المصارف المصرية في وضع متميز.. لكنها ليست بعيدة عن الأزمة

لم يستبعد ريتشارد كويست الخبير والمحلل المالي ومقدم البرامج الاقتصادية بمكتب CNN بلندن حدوث انهيارات قادمة في البنوك على المستويين المحلي والعالمي، وذلك على اعتبار أن الاقتصادات ما زالت في بداية الأزمة التي بدأت في طور التحور من أزمة مالية إلى أزمة تمتد آثارها للاقتصاد الحقيقي مما يجعل الأمور أكثر خطوة، وذلك بالرغم من تأكيده على الوضع المتميز للبنوك المصرية عن نظيرتها العالمية لكونها لم تستثمر أموالها في قروض رديئة دون ضمانات مثل البنوك الأخرى، كما أنها استفادت من دروس فترة التعثر البنكي في التسعينيات .

وتوقع كويست في حوار خاص مع "المال " أن تقود البنوك حركة الانتعاش الاقتصادي فور أن تبدأ بالإنفاق والتمويل لإعادة الثقة في نفوس المستثمرين، وحينها سيبدأ النمو في الظهور تدريجيا في قطاعات الزراعة والصناعة والصادرات على وجه التحديد .

وربط ريتشارد تأثر البنوك المصرية بالأزمة المالية العالمية، بمدى تأثر الاقتصاد المحلي بالأزمة، التي ستتركز آثارها على تراجع العائد من الصادرات وعائد السياحة وإغلاق عدد من المصانع والفنادق، بالإضافة إلى عوائد قناة السويس التي تمثل من وجهة نظره أكثر القطاعات تأثرا بالأزمة العالمية مع تراجع معدل الاستهلاك العالمي، وانخفاض الطلب على الصادرات والبترول ومن ثم تراجع عدد السفن المارة بالقناة .

وتوقع الخبير المالي أن تبتعد البنوك عن سياسة الامتناع عن التسليف وتبدأ في استثمار أموالها والعودة إلى منح الائتمان عاجلا أم آجلا وإلا تعرضت للإفلاس والعجز في ميزانيتها .

وعن الخطر القادم أمام الاقتصاد العالمي بعد زوال شبح التضخم، أكد أن الانكماش الاقتصادي هو الخطر الأكبر حيث يصعب التعامل معه على عكس التضخم الذي يمكن أن تحاربه الحكومة بالسياسات النقدية، كما أنه أكثر صعوبة من الركود الذي يمكن محاربته بتخفيض الفائدة وتخفيض الضرائب، إلا أن الكساد لا يمكن التعامل معه حيث يتوقف الأفراد عن الشراء رغم انخفاض الأسعار مع إغلاق المصانع والشركات واستمرار الحكومة في ضخ الأموال في الأسواق دون أن يكون لذلك أي تأثير، ومن ثم الدخول في دوامة هبوط لا يمكن الخروج منها مثلما حدث للاقتصاد الياباني قبل 10 سنوات .

وتوقع ريتشارد أن تحقق مصر مفاجآت في معدلات النمو الاقتصادي رغم التوقعات بتراجعه إلى ما دون مستوى 1% فإنها تظل معدلات إيجابية، ولم يستبعد أن يدخل الاقتصاد المحلي في مرحلة الركود مثل باقي الدول حتى التي يتوقع أن تحقق معدلات نمو سالبة ودخلت في الركود الاقتصادي وعلى رأسها الولايات المتحدة وإنجلترا ودول مجموعة الثماني ودول الـ 20 الكبرى كونها جميعا تعاني نفس المشاكل ولن تنجو من الآثار السلبية للركود، وإن كان الاختلاف بين الدول في نسبة التراجع فالصين مثلا يتوقع أن يتراجع نموها من 12% إلى 9% إلا أنه ما زال إيجابيا .

وأشار ريتشارد إلى أن الشغل الشاغل حاليا ليس الاهتمام بفترة الأزمة التي توقع أن تمتد حتى 2010، وإنما التركيز حول كيفية معالجة آثارها السلبية والتعايش معها العامين المقبلين لحين استعادة الانتعاش الاقتصادي مرة أخرى، بالإضافة إلى التركيز على البشر الذين سيفقدون وظائفهم ويتراجع استهلاكهم وسيشعرون بالضيق وسيصبح من يمتلك مليار دولار من ضمن الفقراء ومن يمتلك ألف دولار تحت خط الفقر ولن يجد لقمة العيش .

وأشار إلى أن دولا مثل إنجلترا تتفاقم نسب البطالة فيها بدرجة غير طبيعية، وفي مصر سيرتفع عدد الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر، والدول النامية ستتراجع بعد أن قطعت شوطا كبيرا في النمو، وستتحمل قرارات خاطئة لمجموعة من المصرفيين في بنوك أمريكا وإنجلترا ممن تمادوا في منح الائتمان دون ضمانات .

وأوضح ريتشارد أن الحل الأساسي والمفترض اتباعه لوقف نزيف الخسائر هو أن تتدخل الحكومة بما تمتلكه من إمكانيات هائلة وقدرة على التمويل ومنح القروض وتوجيه السوق لتشجيع الأفراد على الإنفاق وإجبار البنوك على منح الائتمان وضمان استمرار العمليات الاقتصادية .

ورفض فكرة أن يكون تدخل الحكومة لإنقاذ المؤسسات والبنوك نهاية للنظام الرأسمالية، وقال إن قيام الحكومة الأمريكية بإنقاذ عدد من البنوك والمؤسسات مثل سي آي جي أو سيتي بنك لا يعني سيطرة الحكومة، وإنما يعني قيامها بدورها الطبيعي في حماية الاقتصاد من الانهيار بعد أن فقد الجميع الثقة، والدليل على ذلك رفض الكونجرس الأمريكي عددا من خطط الإنقاذ لمؤسسات وبنوك أخرى .

وعن الشكوك التي تنتاب خطط الإنقاذ الحكومية لم يعترض ريتشارد على ذلك كونها تغفل إنقاذ مؤسسات حيوية وتقتصر على شراء أصول رديئة إلا أنه طالب بالانتظار قليلا لحين ظهور الآثار الطبيعية للخطط المنفذة مشيرا إلى أن خطط الإنقاذ التي تصل تكلفتها إلى 700 مليار دولار في أمريكا و 200 مليار استرلينى في بريطانيا ومئات المليارات التي تضخ في الأسواق الأخرى لن تكون الحل الأخير بل ستظهر خطط جانبية أخرى .

وطالب الحكومة المصرية بأن تبذل أقصى جهدها لضمان استمرار حركة الاقتصاد واستكمال برامج الهيكلة والإصلاح الاقتصادي والخصخصة .

وبسؤاله عن أسباب تأثر الاقتصاد الإنجليزي والأوربي بالأزمة العالمية بصورة أكبر من الاقتصاد الامريكي الذي اندلعت منه شرارة الأزمة، أشار ريتشارد إلى اختلاف شكل الاقتصاد الكلي في أمريكا عن الدول الأخرى .

مضيفا أن الاقتصاد الأمريكي ضخم ومتسع ومتشابك، وسيخرج من الأزمة سريعا، أما الاقتصاد الإنجليزي فهو يجني سلبيات السنوات السابقة من الأنفاق الكبير للحكومة البريطانية دون أن تأخذ جميع احتياطتها .

وأكد أن موقف الدول وترتيبها العالمي وفقا لمعدلات النمو سيتحدد وجهته مع بداية العام المقبل، وستعرف كل دولة وضعها ومعدل نموها الذي يتوقع أن يستمر في التراجع حتى منتصف العام المقبل ليبدأ بعدها منحنى النمو في الصعود من جديد